فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (10):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [10].
{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي: وهو مما لا مجال للشك فيه لغاية ظهوره.
قال ابن كثير: هذا يحتمل معنيين: أحدهما: أفي وجوده شك؟ فإن الفطر شاهدة بوجوده ومجبولة على الإقرار به. فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة، ولكن قد يعرض لبعض الفطر شك واضطراب فيحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده، ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه فاطر السماوات والأرض- أي: الذي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سبق- فإن شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليهما. فلابد لهما من صانع وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شيء وإلهه ومليكه. والمعنى الثاني: أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له، شك؟ وهو الخالق لجميع الموجودات ولا يستحق العبادة إلا هو وحده لا شريك له، فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع، ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى. انتهى.
وسبق لنا في سورة الأعراف البحث في أن معرفته تعالى ضرورية أو نظرية فارجع إليه.
وفي إدخال همزة الإنكار على الظرف إيذان بأن مدار الإنكار ليس نفس الشك بل وقوعه فيما لا يكاد يتوهم فيه الشك أصلاً، وفي العدول عن تطبيق الجواب على كلام الكفرة بأن يقولوا: أأنتم في شك مريب من الله. مبالغة في تنزيه ساحة جلاله عن شائبة الشك وتسجيل عليهم بسخافة العقول.
وقوله تعالى: {يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ} أي: يدعوكم إلى الإيمان بإرساله إيانا، لا أنا ندعوكم إليه من تلقاء أنفسنا كما يوهمه قولكم: {مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْه}. ولام {ليغفر} متعلقة بـ: {يدعو} أي: لأجل المغفرة لا لفائدته، تعالى وتقدس. أو للتعدية أي: يدعوكم إلى المغفرة، كقولك: دعوتك لزيد. و{من} إما تبعيضية أي: بعض ذنوبكم وهو ما بينهم وبين الله تعالى دون المظالم، أو صلة على مذهب الأخفش وغيره، من زيادتها في الإيجاب، أو للبدل أي: بدل عقوبة ذنوبكم، أو على تضمين {يغفر} معنى يخلص.
وادعى الزمخشري مجيئه بـ: {من} هكذا في خطاب الكافرين دون المؤمنين في جميع القرآن. قال: وكان ذلك للتفرقة بين خطابين، ولئلا يسوى بين الفريقين في الميعاد.
قال في الكشاف: وللتخصيص فائدة أخرى وهي التفرقة بين الخطابين بالتصريح بمغفرة الكل، وإبقاء البعض في حق الكفرة مسكوتاً عنه لئلا يتكلوا على الإيمان.
وقوله تعالى: {وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} أي: يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى: {قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} أي: آية مما نقترحه تدل على فضلكم علينا بالنبوة.

.تفسير الآية رقم (11):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [11].
{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} أي: بالرسالة والنبوة: {وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ} أي: بأمره وإرادته، وهو لم يرد ذلك، لقوله: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} [الإسراء: من الآية 59].
{وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} قال الزمخشري: أمرٌ منهم للمؤمنين كافة بالتوكل، وقصدوا به أنفسهم قصداً أولياً وأمَرُوها به كأنهم قالوا: ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم وما يجري علينا منكم. ألا ترى إلى قوله:

.تفسير الآية رقم (12):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [12].
{وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ} ومعناه: وأي عذر لنا في أن لا نتوكل عليه: {وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} أي: أرشد كلاً منا سبيله ومنهاجه الذي شرع له، وأوجب عليه سلوكه في الدين. وحيث كانت أذية الكفار مما يوجب القلق والاضطراب القادح في التوكل، قالوا على سبيل التوكيد القسمي، مظهرين لكمال العزيمة: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} أي: من الكلام السيئ والأفعال السخيفة. وقوله: {وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} فيه اهتمام بالتوكل عليه سبحانه؛ لأن مقام الدعوة يقتضيه. ولذا أعيد ذكره.

.تفسير الآيات (13- 14):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [13- 14].
{وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} يخبر تعالى عما توعد به الكافرون رسلهم، لما رأوهم صابرين متوكلين، لا يهمهم شأنهم من الإخراج من الأرض، والنفي من بين أظهرهم، أو العود في ملتهم. والمعنى: ليكونن أحد الأمرين.
والسبب في هذا التوعد- كما قال الرازي- أن أهل الحق في كل زمان يكونون قليلين، وأهل الباطل يكونون كثيرين. والظلمة والفسقة يكونون متعاونين متعاضدين. فلهذه الأسباب قدروا على هذه السفاهة. فإن قيل: يتوهم من لفظ العود أنهم كانوا في ملة الكفر قبل! أجيب: بأن عاد بمعنى صار. وهو كثير الاستعمال بهذا المعنى، أو الكلام على ظنهم وزعمهم أنهم كانوا من أهل ملتهم قبل إظهار الدعوة. أو الخطاب للرسل ولقومهم، فغلبوا عليهم في نسبة العود إليهم.
وقوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} إلخ وعد صادق للرسل، وبشارة حقة. كما قال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171- 173]، وقال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} [الأعراف: من الآية 137]، والآيات في ذلك كثيرة. والإشارة في {ذلك} إلى الموحى به وهو إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين. وقوله: {لِمَنْ خافَ} الخ، أي: للمتقين؛ لأنهم الموصوفون بما ذكر كقوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: من الآية 128]. والمقام إما موقف الحساب، فهو اسم مكان، وإضافته إليه سبحانه لكونه بين يديه، أو مصدر ميمي، بمعنى: حفظي وقيامي لأعمالهم ليجازوا عليها. أو مقحم للتفخيم والتعظيم كما يقال: المقام العالي. وياء المتكلم في {وعيد} محذوفة للاكتفاء بالكسرة عنها في غير الوقف.
قال السمين: أثبت الياء هنا وفي (ق) في موضعين: {كلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} [ق: من الآية 14]، {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: من الآية 45]، وصلاً، وحذفها وقفاً ورش عن نافع. وحذفها الباقون وصلاً ووقفاً.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (15):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [15].
{وَاسْتَفْتَحُواْ} أي: سألوا من الله الفتح على أعدائهم، أو القضاء بينهم وبين أعدائهم. من الفتاحة وهي الحكومة كقوله: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَق} [الأعراف: من الآية 89]، فالضمير: للرسل، وقيل: للكفرة، وقيل: للفريقين، فإنهم سألوا أن ينصر المحقّ ويهلك المبطل. وقوله: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} أي: فنصروا عند استفتاحهم وأفلحوا: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} وهم قومهم. أو استفتح الكفار على الرسل وخابوا ولم يفلحوا. وإنما قيل: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} ذماً لهم وتسجيلاً عليهم بالتجبر والعناد. أو استفتحوا جميعاً فنَصَرَ الرسلَ وأنجز لهم الوعد، وخاب أعداؤهم. والجبار المتكبر على طاعة الله تعالى وعبادته. والعنيد المعاند للحق، كخليط بمعنى مخالط.

.تفسير الآية رقم (16):

القول في تأويل قوله تعالى: {مِّن وَرَائهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ} [16].
{مِّن وَرَائهِ جَهَنَّمُ} جملة في محل جر صفة لـ: {جبار} كناية عن تطلبها له وترصدها إياه، ومن تطلب شيئاً وترصده أدركه لا محالة. وقيل: على تقدير مضاف، أي: من وراء حياته وانقضاء عمره {وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ} وهو ما يسيل من جوف أهل النار، قد خالط القيح والدم.

.تفسير الآية رقم (17):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [17].
{يَتَجَرَّعُهُ} أي: يتكلف تجرعه لقهره عليه: {وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} لخبثه: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} أي: تحيط به أسبابه من الأهوال، وما هو بمستريح مما نزل به: {وَمِن وَرَائهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} أي: شديد متصل لا ينقطع.

.تفسير الآية رقم (18):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ} [18].
المثل مستعار للصفة التي فيها غرابة. شبه تعالى أعمالهم اللاتي كانوا يعملونها لأوثانهم أو يراؤون بها- كإنفاق الأموال وعقر الإبل للضيفان، في حبوطها؛ لكونها على غير تقوى وإيمان- برماد طيرته الريح العاصف. وقوله تعالى: {لاَّ يَقْدِرُونَ} الخ، مستأنف، فذلك للتمثيل بمعنى المقصود منه ومحصل وجهه، أي: لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من أعمالهم على شيء منها، أي: لا يرون له أثراً من ثواب، كما لا يقدر، من الرماد المطير في الريح، على شيء.
قال أبو السعود: الاكتفاء ببيان عدم رؤية الأثر لأعمالهم للأصنام، مع أن لها عقوبات هائلة؛ للتصريح ببطلان اعتقادهم وزعمهم أنها شفعاء لهم عند الله تعالى، وفيه تهكم بهم. وفي توصيف الضلال بالبعد، إشارة إلى بعد ضلالهم عن طريق الحق أو عن الثواب.
واشتد به من شد بمعنى عدا والباء للتعدية أو ملابسة. أو من الشدة بمعنى القوة، أي: قويت بملابسة حمله. والعصف قوة هبوب الريح، وصف به زمانها على الإسناد المجازي، كنهاره صائم وخبر مثل محذوف أي: فيما يتلى عليكم. وجملة: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} مستأنفة جواباً لسؤال: كيف مثلهم؟ أو {أعمالهم} بدل من {مثل} و{كرماد} الخبر.
وهذه الآية كقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان: 23]. وقوله تعالى: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عِمْرَان: 117]. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 264].

.تفسير الآيات (19- 20):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [19- 20].
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} الخطاب للرسول صلوات الله عليه، والمراد به أمته. أو لكل أحد من الكفرة لقوله {يذهبكم} والرؤية رؤية القلب.
وفي الآية وجهان من التأويل: أحدهما: أنها سيقت لبيان قدرته تعالى على معاد الأبدان يوم القيامة، بأنه خلق السماوات والأرض التي هي أكبر من خلق الناس. أي: أفليس الذي قدر على هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها وعظمتها وما فيها من الكواكب الثوابت والسيارات والآيات الباهرات، وهذه الأرض بما فيها من مهاد ووهاد وأوتاد وبراري وقفار وبحار وأشجار ونبات وحيوان على اختلاف أصنافها ومنافعها وأشكالها وألوانها: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف: 33].
وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يّس: 77- 81].
الوجه الثاني: ترهيب المشركين بأنهم غير معجزين، أي: إن يشأ يهلككم إذا خالفتم أمره ويخلف قوماً خيراً منكم، كقوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: من الآية 38]، وقوله: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيراً} [النساء: 133].
وقوله تعالى: {بِالْحقِّ} أي: بالحكمة المنزهة عن العبث كقوله: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} [آل عِمْرَان: من الآية 191]، وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} [ص: من الآية 27]، وقوله: {مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقّ} [يونس: من الآية 5]، وذلك ليتفكر في خلقها ويستدل بها على وجود بارئها وقدرته ووحدته.
ثم أخبر تعالى عن تخاصم المجرمين في المحشر وتبرئهم من بعضهم، بقوله سبحانه: